نبذة عن الشاعر أحمد شوقي

محور هذا المقال هو الشاعر أحمد شوقي، الغني عن التعريف، الشاعر الذي اجتمع النقاد -على اختلاف آرائهم- بأنه أعظم الشعراء من بين الذين أتوا بعد أبي الطيب المتنبي، الرجل الذي اُعتبر أحد أعمدة الشعر العربي، فحكمته البالغة، رقة مشاعره، حبه لدينه وانتمائه وولائه القوي لوطنه، كل هذا وغيره جعلوا منه أميرًا للشعر العربي، رائد من رواد النهضة الشعرية العربية، أصدر هذا الكم من القصائد الشعرية المتنوعة، ألف كل هذه المسرحيات الهادفة، شوقي الذي اجتمعت فيه براعة الوصف، غرابة الألفاظ، سهولة العرض، صدق الإحساس وتنوع الأساليب، وإلى آخره من التفاصيل التي تخص الشاعر أحمد شوقي وسنغطيها من خلال هذا المقال.

نشأة الشاعر أحمد شوقي

كان مسقط ولادة الشاعر أحمد شوقي في القاهرة -وتحديدًا- حي الحنفي، حيث ولد شوقي في السادس عشر من أكتوبر سنة 1868، لأب أصوله شركسية وأم أصولها يونانية تركية، واختلف الكثيرون في هذه الأصول، فالبعض ذكر أن الأب كردي الأصل، والأم أصولها تركية شركسية، والبعض الآخر ذكر أن جدته لأبيه شركسية الأصل، وجدته لأمه يونانية الأصل.

كانت جدته (والدة أمه) تعمل كوصيفة بقصر الخديوي إسماعيل، هي التي تكفلت بتربية ونشأة حفيدها شوقي، ففي بيئة غنية وثرية نشأ بصُحبتها في القصر، وعندما بلغ عمره الرابعة، ألحقته بكُتّاب عُرف حينذاك بكُتّاب الشيخ صالح، من خلاله أتقن حفظ كمًا من القرآن، كما تعلم المبادئ العامة للقراءة والكتابة.

مدرسته الإبتدائية هي مدرسة المبتديان، من خلالها عُرف بنبوغه البيّن الذي لأجله تم إعفائه تمامًا من أي تكاليف مالية تخص المدرسة، استطاع حفظ دواوين كاملة لكبار الشعراء حينها، وذلك خلال فترة قصيرة جدًا كعلامة واضحة لمستقبله الباهر في الشعر، حيث كانت هذه أول خطوة جعلت الشعر سهلًا بلسانه.

أنهى شوقي مرحلة التعليم الثانوي في عمر مبكر سنة 1885، التحق من بعدها بمدرسة الحقوق وتخصص في دراسة القانون، كما أنه أحب بجانب دراسته للقانون أن يدرس الترجمة الفرنسية، وانتهى من هذه المرحلة التعليمية عام 1889، أثناء فترة دراسته تتلمذ في مجال علوم الأدب، وذلك على يدي حسين المرصفي، الشيخ حفني ناصف وكذلك الشيخ محمد البسيوني البيباني، بعد انتهاء شوقي من مرحلة دراسة الحقوق وتخرج من المدرسة، قام الخديوي توفيق بإرساله في بعثة إلى فرنسا لإتمام دراسة الحقوق، وهناك قضى حوالي أربع أعوام بين مدينتي مونبلييه وباريس، وبعدها عاد إلى مصر مرة أخرى عام 1892.

الحياة الشخصية للشاعر أحمد شوقي

عُرف أيضًا عن شوقي أنه تزوج من السيدة خديجة شاهين، التي تعود أصولها إلى تركيا، وكان يلقبها شوقي “القطة التركية” لعُمق ومدى حبه لها، كما أنجب منها شوقي صبيين “حسين وعلي” وفتاة “أمينة”، كما أن الجدير بالذِكر أن شوقي وُلد بوسط عائلة مسلمة الديانة سنية الطائفة.

فترة نفي الشاعر أحمد شوقي

بعد قضاء شوقي فترة دراسته في فرنسا عاد إلى حياته في مصر، لوحظ حينها على شعر شوقي أنه موجه للخديوي عباس والأسرة الحاكمة بأكملها، وذلك بالمدح الطويل والثناء المتكرر لأنه هو ولي نعمة أحد شوقي، ومن باب دعم الخلافة العثمانية الإسلامية أيضًا، لكن سلطة الخديوي عباس كانت مُهددة حينها من قِبل الإنجليز، مما أدى إلى إصدار الإنجليز قرارًا بنفي شوقي إلى خارج البلاد، حيث توجه إلى أسبانيا عام 1915، قضى شوقي فترة النفي في الإطلاع على الأدب العربي والحضارة الأندلسية، كما أنه استطاع في هذه الفترة أن يستخدم أكثر من لغة والإطلاع على آدابها والآداب الأوروبية بشكل عام.

كما أن شوقي ركز حينها في متابعة الأوضاع التي تحدث وتتغير في مصر، فكانت مشاركاته في الشعر تاتي من اهتمامه البالغ بالتحركات الشعبية والتغييرات الوطنية التي تسعى لفكرة التحرير، فالشعر منحه فرصة المشاركة حتى لو عن بعُد، كما أن شعره في هذه الفترة غلبت عليه نبرة الحزن بسبب نفيه مُجبرًا منها، فلقد كانت نبرة مختلفة عن نبرة المدح التي كانت غالبة على شعره قبل النفي.

عام 1920 عاد الشاعر أحمد شوقي إلى مصر مرة أخرى، وفي عام 1927 اجتمع كافة الشعراء في العالم العربي على تلقيب أحمد شوقي بأمير الشعراء، وبعد مرور هذه الفترة تفرّغ شوقي إلى نوع جديد يُعرف بالمسرح الشعري، وأظهر فيه نبوغًا بالغًا، فلقد عُرف بأنه الرائد الأول في هذا المجال على مستوى الوطن العربي.

مراجع أدبية أثرت في الشاعر

عُرف أحمد شوقي بثقافته الغنية المتنوعة، فلقد كان مُلمًا بالكثير في مجالات مختلفة، كان قارئًا مُنتقيًا وشغوفًا بما يخص الأدب العربي، فلقد أثرت فيه العديد من المؤلفات التي اطلع عليها للكثير من الشعراء النابغين، ومن بينهم: البحتري، أبي نواس، أبي تمام والمتنبي، كما تعلم الكثير من كتب الأدباء العظماء مثل كتاب الحيوان للجاحظ، كما اطلع على كتب ومؤلفات عديدة في الفقه، اللغة والحديث.

كما أنه كان ملمًا بارعًا في اللغة الفرنسية بجانب ثقافته العربية الواسعة والمتنوعة، فالفترة التي قضاها في فرنسا منحته فرصة الإطلاع على مختلف فنونها وآدابها البديعة، فلقد تأثر بأبنائها الشعراء، وكذلك تأثر بكل اللإداب والفنون الشعرية التي اطلع عليها، كما أن أصوله التركية أثرت فيه أيضًا، حيث اكتسب منهم اللغة التركية وصار جيدًا في التحدث بها، كما أن فترة نفيه في أسبانيا كانت مليئة بالحسرة على الحضارة الإسلامية العظيمة الموجودة هناك.

المؤلّفات الخاصة بالشاعر أحمد شوقي

أبرز القصائد الشعرية:

عُرف أمير الشعراء أحمد شوقي بمؤلفاته المتنوعة والبديعة، فلقد صدر عنه ديوان الشوقيات، هذا الديوان عبارة عن أربعة مجلدات، كانت أول طبعة بين عامي 1889:1888م، حيث تم طباعتها في مطبعة الآداب والمؤيد، ثم تمت طباعته مرة أخرى عام 1911 م بدون إضافة أي تحديثات جديدة، كما تم تقسيم ديوان الشوقيات إلى أربعة أجزاء، تمت طباعة الجزء الأول منه عام 1926 م دون إضافات تفاصيل جديدة إليه، ثم فيما بعد تمت طباعة الجزء الثاني منه عام 1930 م، بعدها توفي الشاعر أحمد شوقي قبل استكمال طباعة الجزء الثالث والرباع، فلقد تمت طباعة الجزء الثالث المعروف بالرثاء عام 1936 م، وتم الإنتهاء من طباعة الجزء الرابع من الديوان عام 1943 م.

أبرز الروايات:

أبدع شوقي أيضًا في النمط الروائي، فلقد ألّف ثلاثة روايات، الأولى عنوانها “عذراء الهند”: قام بتأليفها سنة 1897م، وهي رواية تدور حول تاريخ مصر القديم خلال فترة حكم الملك رمسيس الثاني.

الرواية الثانية بعنوان “لادياس”: معنى هذه الكلمة هو “آخر الفراعنة”، تدور أحداث هذه الرواية أيضًا حول تاريخ مصر القديم، حيث تعكس هذه الرواية وضع مصر قبل القرن الخامس الميلادي، أي بعد فترة حكم بسمافيك الثاني.

الرواية الثالثة بعنوان “ورقة الآس”: عبارة عن رواية تاريخية، حيث تقع أحداث الرواية في زمن سابور الي يملك الفرس.

الرواية الرابعة تُعرف بعنوان “مذكرات بنتاؤر”: هذه الرواية تدور حول معتقد مصري قديم وهو أنّ بعض الناس بإمكانهم التكلم مع الطيور والتعبير عنهم بألسنتهم، فكانت الرواية عبارة عن حوار دار بين طائر الهدهد الذي يرمز إلى الشاعر ذاته وطائر النسر الذي يرمز إلى الشيطان الذي كان يسكن بنتاؤرو الشاعر المصري القديم.

أبرز المسرحيات:

اشتُهر أحمد شوقي بكونه رائد المسرح العربي، حيث عُرف بدوره المؤثر في الأدب المعاصر، فلقد ألّف العديد من المسرحيات التي تجمع أفكارها ما بين التاريخ القديم والحياة الإجتماعية الحديثة، كما جعل لكل مسرحية من أعماله المسرحية هدفًا محددًا يحمل قيمة أخلاقية أو عظة معينة، فمن سمات الأدب المسرحي الخاص بأحمد شوقي أنه متأثر بالأدب الأوروبي بصورة كبيرة، فلقد استفاد من قراءاته المتعددة في كل من الأدب الإنجليزي والفرنسي، ومن أبرز أعماله المسرحية ما يلي: الأولى بعنوان “مصرع كليوباترا” والثانية بعنوان “قميز” هاتان المسرحيتان تدور أحداثهما حول تاريخ مصر القديم، فلقد اعتمد شوقي في مسرحية كليوباترا على التوجه الوطني، كما تميزت بالغنائية الشعرية المتعددة، لكن بالنسبة إلى مسرحية قميز فكانت قائمة على فكرة التضحية في سبيل الوطن.

المسرحية الثالثة بعنوان “علي بك الكبير”: فلقد أتى أحمد شوقي بفكرتها من تاريخ مصر القريب، حيث اعتمد على فكرة الاستقلال الوطني في المسرحية، لكن من ناحية الأحداث غير في الكثير من التفاصيل، حيث أضاف من السمات الخيّرة الخاصة بالشخصيات بصورة مضادة للواقع التاريخي حينها.

المسرحية الرابعة بعنوان “الست هدى”: حيث عكس أحداثها من واقع الحياة الإجتماعية الحديثة، فهي عبارة عن مسرحية ساخرة النمط، انتقد شوقي فيها كل الانتهازيين.

المسرحية الخامسة بعنوان “عنترة” والمسرحية السادسة بعنوان “مجنون ليلى”: حيث استوحى شوقي فكرة هاتان المسرحيتين من التاريخ العربي القديم، وأكثر بهما من السمة الغنائية الشعرية، كما ركز بشكل خاص في مسرحية “عنترة” على فكرة العفة في الحب، كما اعتمد في مسرحية “مجنون ليلى” على فكرة التقيد بالتقاليد.

المسرحية السادسة بعنوان “أميرة الأندلس”: سرد شوقي هذه المسرحية بأسلوب نثري، كما استوحى فكرتها من أحداث التاريخ العربي، وأقام المسرحية على فكرتي الالتزام بالعهد والوفاء به.

المسرحية السابعة بعنوان “البخيلة”: هذه المسرحية من النمط الكوميدي، استوحى شوقي فكرتها من أحداث الحياة الإجتماعية الحديثة، فلقد ذكر فيها شوقي تفاصيلًا عن الطبقة الإجتماعية البسيطة أو الحياة العادية، كما ابتعد تمامًا عن ذِكر أي تفاصيل خاصة بالحياة الأرستقراطية، فشخصية البخيلة عبارة عن سيدة عادية، تقوم بإدخار ثروة من خلال حرمان نفسها مما تتمنى.

أبرز الكتب:

كانت مؤلفات أحمد شوقي في الكتب بسيطة، حيث أصدر كتابين فقط، الكتاب الأول بعنوان “أسواق الذهب”: عبارة عن مجموعة من النصوص النثرية، تم فيها استخدام مفردات ثقيلة، غطى فيها الكثير من شؤون الحياة البشرية العادية، حيث عرّف بعضّا من هذه الشؤون في المقدمة الخاصة بالكتاب واصفًا: (إنما هي كتاب، اشتملت على معانٍ شتى الصور، وأغراض مختلفة الخبر، جليلة الخطر، منها ما طال عليه القدم، وشاب على تناوله القلم، وألم به الغُفل من الكُتاب والعلم، ومنها ما كثر على الألسنة في هذه الأيام، وأصبح يعرض في طرق الأقلام، وتجري به الألفاظ في أعنة الكلام؛ من أمثال هذه المعاني: الحرية، الوطن، الأمة، الدستور والإنسانية، وكثير غير ذلك من أمور ومعاني المجتمع وأحواله).

الكتاب الثاني بعنوان “دول العرب وعظماء الإسلام”: يعتبر هذا الكتاب من أبرز العلامات لأحمد شوقي في تاريخ الأدب العربي، حيث يتكون من أراجيز مزدوجات تتكون من 2000 بيت شعري، حيث رتب الأبيات الشعرية بصورة بديعة، كما ذكر فيها تفاصيلًا من سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضًا من سيرة الخلفاء الراشدين، وذكر دول عربية في العصور الفاطمية، العباسية والأموية، كما ذكر بعضًا من سير رجال آخرين.

وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي

بعد قضاء حياة غنية بالشعر والإبداع والإنغماس بين المؤلفات الأدبية والثقافية، شهد العالم وفاة أمير الشعراء ورائد النهضة الشعرية العربية في الثالث عشر من أكتوبر في عام 1932م، فكثيرًا ما مارس هوايته المفضلة وهي التأليف المسرحي، فلقد كان يتنقل بين فرنسا ولبنان لقضاء إجازات مفتوحة المدى، فلقد توفي في قصره الشائع “كرمة بن هانئ” الواقع على ضفاف النيل في محافظة الجيزة، ولقد اجتمع الجميع على أن أحمد شوقي لن يتكرر على مر الأزمان.

 

عرضنا من خلال هذا المقال نبذة عن أمير الشعراء أحمد شوقي، فلقد عُرف بنبوغه في الشعر والأدب العربي بشكل عام، كما اشتُهر بثقافته الواسعة واطلاعه على كافة المؤلفات الأدبية، فلقد ذكرنا تفاصيلًا من نشأته، حياته الشخصية، أبرز المصادر التي أثرت فيه بشكل عميق من الناحية الأدبية، وكذلك عرضنا أبرز المؤلفات من روايات وقصائد شعرية ومسرحيات وعدد بسيط من الكتب، جميعها هادفة وبديعة الوصف والسرد ومختلفة في الأنماط، فلقد اجتمع النقاد على أنه شاعر فريد من حيث الشخصية والتأليف والشعر، فالزمن لن يكرره ثانيةً، ومن أبرز مسرحياته الشعرية مصرع كليوباترا وعلي بك الكبير، ومن أبرز دواوينه الشعرية ديوان الشوقيات، وغيرها من المؤلفات التي لقت إقبال الكثير من القراء.